سورة الجاثية - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ} يعني التوراة. {وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} الحكم: الفهم في الكتاب.
وقيل: الحكم على الناس والقضاء. و{النُّبُوَّةَ} يعني الأنبياء من وقت يوسف عليه السلام إلى زمن عيسى عليه السلام. {وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ} أي الحلال من الأقوات والثمار والأطعمة التي كانت بالشام.
وقيل: يعني المن والسلوى في التيه. {وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} أي على عالمي زمانهم، على ما تقدم في {الدخان} بيانه {وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ} قال ابن عباس: يعني أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشواهد نبوته بأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب، وينصره أهل يثرب.
وقيل: بينات الامر شرائع واضحات في الحلال والحرام ومعجزات. {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} يريد يوشع بن نون، فآمن بعضهم وكفر بعضهم، حكاه النقاش.
وقيل: {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} نبوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاختلفوا فيها. {بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي حسدا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال معناه الضحاك.
وقيل: معنى {بَغْياً} أي بغى بعضهم على بعض يطلب الفضل والرياسة، وقتلوا الأنبياء، فكذا مشركو عصرك يا محمد، قد جاءتهم البينات ولكن أعرضوا عنها للمنافسة في الرياسة. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} أي يحكم ويفصل. {يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} في الدنيا.


{ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} الشريعة في اللغة: المذهب والملة. ويقال لمشرعة الماء- وهي مورد الشاربة-: شريعة. ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد. فالشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين، والجمع الشرائع. والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله لخلقه. فمعنى {جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} أي على منهاج واضح من أمر الدين يشرع بك إلى الحق.
وقال ابن عباس: {عَلى شَرِيعَةٍ} أي على هدى من الامر. قتادة: الشريعة الامر والنهي والحدود والفرائض. مقاتل: البينة، لأنها طريق إلى الحق. الكلبي: السنة، لأنه يستن بطريقة من قبله من الأنبياء. ابن زيد: الدين، لأنه طريق النجاة. قال ابن العربي: والامر يرد في اللغة بمعنيين: أحدهما- بمعنى الشأن كقوله: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97]. والثاني- أحد أقسام الكلام الذي يقابله النهي. وكلاهما يصح أن يكون مرادا ها هنا، وتقديره: ثم جعلناك على طريقة من الدين وهي ملة الإسلام، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]. ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح، وإنما خالف بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه.
الثانية: قال ابن العربي: ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الآية دليل على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا، لان الله تعالى أفرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته في هذه الآية بشريعة، ولا ننكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته منفردان بشريعة، وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم اتباعه أم لا. قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} يعني المشركين.
وقال ابن عباس: قريظة والنضير. وعنه: نزلت لما دعته قريش إلى دين آبائه.


{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)}
قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} أي إن اتبعت أهواءهم لا يدفعون عنك من عذاب الله شيئا. {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} أي أصدقاء وأنصار وأحباب. قال ابن عباس: يريد أن المنافقين أولياء اليهود. {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} أي ناصرهم ومعينهم. والمتقون هنا: الذين اتقوا الشرك والمعاصي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8